موضوع: ووقعت الفاس في الراس.. الأحد ديسمبر 21, 2008 8:28 am
جلست "لبنى" تحكي لـ"أيمن" مشاكلها في الشغل وصدمتها في ثلاثة من أصحابها في الشغل.. يسمعها "أيمن" دون إبداء أي ملاحظة.. ولما سألته باستغراب: - يعني مش سمّعتني صوتك.. ولا قلت حاجة.. ولا أي حاجة تدل على إنك سامعني.. نظر لها بدون معنى ورفع كتفيه ومطّ شفتيه وهو يقول: - ما أنا قلت لك قبل كده! تمتلئ عينا "لبنى" بالدموع وتعض شفتيها محاولة السيطرة على انفجارها المتوقع وقوعه الآن: - نفسي مرة لما أحكي لك عن حاجة مضايقاني تواسيني وتهوِّن عليّ.. مرة.. مرة واحدة يا أخي، حتى لو إنت مش متعاطف أو شايف إنها مش أزمة ولا تضايق.. لكن مفيش فايدة.. كل مرة أقول لك نفس الكلام.. وبلاش ترد عشان عارفة هتقول إيه... في الدور التالي من العمارة، وفي الشقة التي تعلوهم مباشرة، دخل "زياد" عائداً من الشغل، ليجد "سلمى" ماسكة التليفون وشغالة كلام... مع مامتها طبعاً.. انتظر لما أنهت المكالمة بعد وصوله بنصف ساعة كاملة.. علاوة على الثلاث ساعات السابقة!
نظر لها نظرة مميتة من شدة الغيظ وقال لها: - مش قلت لك مليون مرة إن اللي بيحصل بيني وبينك يخصنا إحنا لوحدنا.. هي لازم مامتك تبقى حاضرة في كل حاجة.. بتقدمي لها تقرير كل يوم سيادتك عن اللي حصل واللي ماحصلش؟! - يا "زياد".. أصل دي ماما.. - وإيه يعني ماما؟.. هتحرسك؟! اللي بيحصل ده ماينفعش.. ده بييجي من وراه خراب بيوت.. افهمي بقى.. عمّال أفهّمك الكلام ده من ساعة الخطوبة وإنتِ ولا إنتِ هنا... الله أعلم بتتكلمي عننا مع مين تاني.. النهارده ماما، بكرة أختك، بعده صاحبتك وبعد كده ألاقي خبر إني نمت من غير ما أقول لك تصبحي على خير في جرائد المعارضة!! ودخل الغرفة وأغلق الباب خلفه بعنف....
يمين هذه العمارة، يوجد بيت جميل صغير، في بلكونته كانت "هبة" تكلم "أحمد" في التليفون وهي "متشحتفة". تمّت خطبتهما من سنتين، بعد أربع سنين حب. - أيوه يا "أحمد".. مش إحنا كنا لسه مع بعض إمبارح؟ فجأة ألاقيك النهارده بتبعت لي رسالة بإنك في إسكندرية!! ولا كأني موجودة ولا كأني لي لازمة في الحياة أصلاً.. تقريباً بعد كده هاتصل بطنط ولاّ السكرتارية عندك في الشغل عشان أعرف إنت فين وأخبارك إيه.. - والله ما أقصد... ما إنتِ عارفة يا "هبة".. - يعني إيه ما إنتِ عارفة يا "هبة"؟؟ أيوه عارفة بس حرام كده.. أنا تعبت... أنا اللي أسأل وأنا اللي أعرف.. لأ ومتأخر كمان... بجد أنا تعبت.. وينتهي المشهد و"هبة" تمسح دموعها بطرف كمها بعد ما خلّصت المناديل.
ستووووب على كل واحد في فترة التعارف والخطوبة أن يدرس شخصية الطرف الثاني جيداً ليعرف عيوبها مقابل مميزاتها. وبذلك يستطيع أن يحكم إذا كانت عيوب الطرف الثاني مع عيوبه هو ذات نفسه يصلح لأن يتعايشا سوياً في سلام وحب أم لا. وليعرف هل هناك عيوب قاتلة من النوع المزمن الميئوس منه كالبخيل والكاذبة أم لا.. فاكرين؟ ولأن الاهتمام كان يبدو أنه منصب على العيوب فقط، كانت تصلنا تعليقات تعارض وبشدة تناولنا للعيوب بهذا التركيز. مع أن الهدف لذلك هو أن يتأكَّد كل طرف من صواب قراره وألاّ يدع المشاعر تجمّل له الصورة وتخفي العيوب فيقول بعد الزواج: "يا ريت اللي جرى ما كان". خلاص.. تـمّ الارتباط والزواج والفاس وقعت في الراس.. والعيوب التي لم تبدُ أو التي كانت تبدو، لم تعد تبدُ وفقط. بل صارت إما ضيفاً ثقيل الظلّ، أو ساكناً مقيماً دائماً. وساعتها تختلف طرق تعامل الناس مع ذلك. فقد يتحول الكلام بالهمس الذي كان سائداً فترة الخطوبة إلى مناقشات حادة ثم صوت عالٍ، ثم يتدخل الجيران لفض الاشتباك! وهذا ما يحدث كثيراً. أما قليلاً فهو أن يتحمل كل واحد عيوب الثاني..
"مفيش فايدة".. طبعاً كلنا متفقين إنه مهما كان الحب كبير والتفاهم عظيم، لا بد وحتماً من ظهور بعض المنغِّصات والشوك بعد الزواج. وأقصد بها العيوب التي لم نكن نعلم بوجودها أو ربما كنا نعلم لكن مراية الحب شيش بيش. ومن الناس من يظل حبيس الصدمة ويصرّ على ألا يجعل للعيب الذي ظهر في شريكه أي وجود في حياته بإنكاره. بمعنى أنه ينكر عليه هذا العيب ويحاول بشتى الطرق أن يجزّه من أصوله. ومن هنا تبدأ المشكلة، لما يستخدم أحدهما الملقاط للبحث عن العيب في كل التصرفات والأقوال وكل شيء. وبعد ما يجد العيب -الذي لا بد أن يجده طالما أنه داخل بنِيّة إيجاده- يضعه تحت المجهر. ثم بعد ما يمسك العيوب بالملقاط ويضعها تحت المجهر، يكبر العدسة مما يجعل الرؤية أضعاف أضعاف أضعافها. فمثلاً لو اكتشفت "همت" أن "رامي" يلتفت بسهولة لكل بنت خصوصاً إذا كانت لابسة من غير هدوم، ستأخذ تصرفه على محمل شخصي وأنه يفعل ذلك لإهانتها. وستراقب نِنّي عيونه منين ما يروح حتى لو رفع عينه إلى السماء مستغيثاً، لظنت أنه ينظر إلى واحدة تقف في بلكونة في السماء!! ثم بعد المواجهة والمصادمة والمحايلة تأتي مرحلة "مفيش فايدة". و"مفيش فايدة" هي الطريقة المثلى لندب الحظ كلما ظهر عيب في الطرف الثاني أو أراد الطرف الأول أن يراه.. أيوه... أنا أقصد (أراد).. بمعنى أنه من الناس من يبحث بالفعل عن العيوب ويرغب في رؤيتها!!
حب بعيبه...! ومع أني أتكلم بالتحديد عن العلاقة بين المخطوبين وفي طريقهم للزواج أو تزوجوا، إلا أن نفس الكلام ينطبق على أي صداقة بين بنت وبنت وولد وولد. فكثيراً ما كنت أجد تعليقات من البعض عن إحدى صديقاتي ويتعجبون كيف جمع الله النقيضين على مستوى الطباع وليس الأخلاق. ويكون ردّي الأبدي عليهم أنني أحببتها بعيوبها وهي أحبتني بعيوبي، لكن ذلك لا يمنع من أننا نتناقش في أمر بعض العيوب وننبه بعضنا البعض حرصاً على أن تدوم صداقتنا مهما حدث وفرقتنا الأحداث والأماكن.
كذلك النوع الثاني من الناس الذين يكتشفون عيوب من أحبوهم واختاروهم ليناصفوهم حياتهم. بعد ما تتخبط في العيوب تتوقف قليلاً عندها بالتفكير، ثم تكمل المُضيّ في الحياة. فمثلاً واحدة أخرى غير "همت"، وزوجها فيه نفس خصلة "رامي" وحب النظر للبنات، كانت في الأول تثور وتفور وتتجنن منه وتقول في نفسها: "طيب حتى لو أنا مش بدرجة جمالها فاحترم وجودي يا أخي"... ثم تفهّمت إنها طبيعة وأنه لا يبذل مجهوداً لغض بصره، وأنه لا يفعل ذلك بهدف ماورائي.. يعني عينه ليست فارغة وهو يكتفي بالالتفات وانتهينا.. ففاتحته بهدوء وتناولت الموضوع من منطلق أمر الله لنا بغض البصر. ذلك الصنف المتعقل من الناس يتفهم العيب، ويحاول إيجاد طريقة للتعامل معه دون صدام، ودون أن يأمل في تغييره تماماً. وبذلك يصل لمرحلة العيش في سلام مع هذا العيب.. وربما.. ربما يصل الأمر إلى أنها تحب هذا العيب! وهذا ما شدّني في أحدث أغنية لـ"وائل جسار"، مع أنه ليس متألقاً فيها كما في أغانٍ أخرى. اسمها *"مهما تقولوا"، وفيها جملة واحدة عبقرية في جمال معناها: مهما تقولوا وتعيدوا وتزيدوا حبنا أكبر من كده.. حبيته لما أنا شفت عيوبه ومفيش أجمل من كده.. * استمع إلى "مهما تقولوا"..
للرضا عين وكذلك السخط...! بالطبع لا أحد ملاك، وفي نفس الوقت لا أحد يستطيع أن يصبر ويتحمل على طول الخط. لكن الفرق بين الفريق الأول -وهم أغلبية للأسف- من الناس والفريق الثاني، أن الأول يصنع فشله وتعاسته بيديه، والثاني يخفف من حدة الأمور ويتعامل معها بأسلوب متعقل دون أن يلوي عنق حبيبه، ويبتزّه باسم الحب والعشرة والميثاق الغليظ لكي يغير نفسه. يوجد بيت شعر جميل جداً أحبه ولا أذكر قائله.. يلخص كل ما أريد قوله: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا فمن أي الفريقين نريد أن نكون؟؟
قطرات الندى عضو ذهبى
عدد الرسائل : 912 العمر : 44 العمل/الترفيه : توتيى المزاج : رومانسى تاريخ التسجيل : 25/10/2008
موضوع: رد: ووقعت الفاس في الراس.. الثلاثاء ديسمبر 23, 2008 7:37 am
وعين الرضا عن كل عيب كليلة مشكور على موضوعك الجميل تسلم يداك