إنتم فاكرين النبي سعودي!!

زائر

أن تزور الأراضي المقدسة فهذا أمر يحمل من الرهبة والجلال بقدر ما تحمل القلوب من شوق وتقدير وتقديس لمقامها الأسمى عند الله، أن تتوجه إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلقي عليه السلام وتلقي برحال العمر على أعتابه النقية الطاهرة وتبصر بعينيك القبة الخضراء فهذا أمر لا يمكن وصفه؛ لأنه يعبّر عن حالة ينسى الإنسان فيها نفسه وينسلخ من الزمان والمكان ليجد في السماء متسعا لما يحمله بين جوانحه، ولكن أن تذهب لأهل هذه الأرض للعمل فهذا شيء آخر..
وحتى لا أتحرك في وادٍ غير ذي زرع تاركا علامات الاستفهام على جبل عالٍ فلا يفهم قارئ الموضوع أين أريد أن أذهب.. فقد حرك في نفسي بعض الذكريات بالسعودية تجدد أزمة المصريين الذين يتعامل معهم البعض في دول الخليج كمتسولين لمجرد أنهم جاءوا للبحث عن عمل شريف مهما كان هذا العمل صغيرا، والسعودية كغيرها من بلاد الله فيها الصالح وفيها دون ذلك، ومنهم رجال الأعمال الذين يتقون الله في مرؤوسيهم، ومنهم من يستعبدونهم بلا إنسانية تذكر..

أعود بكم إلى رحلتي التي شاء الله ألا تستغرق سوى ثلاثة وأربعين يوما إلى السعودية وأنا سعيد أنني سأعمل على مقربة من بيت الله الحرام عدت بعدها طائعا راضيا في اليوم الرابع والأربعين -لظروف أسرية- وأنا أنوي ألاّ أذهب إليها إلا حاجًّا أو معتمرا.. حاملا في نفسي موقفين مرّا بي مع نوعية معينة من البشر هناك وأنا في هذا البلد الأمين..
الموقف الأول حدث حين كنت في صحبة طيار سعودي تجمعه بزوج أختي -المصري الجنسية- صلة قرابة، وأخبرني الرجل أننا سنكون اليوم في ضيافة رجل من رجال الأعمال السعوديين للترحيب بنا وسوف نلتقي به في أحد مكاتبه بإحدى مؤسساته نشرب الشاي السعودي ثم ننطلق للعشاء في أحد المطاعم الشهيرة حيث يريد الرجل أن ينزلنا منزلا كريما!!
دخلنا عليه وإذا به رجل ضخم الجثة عريض المنكبين طويل النجاد رفيع العماد كأنه صخرة سقطت لتوها من جبل أُحد.. يا هلا بالراجل الطيب في صحبة الطيار العزيز!! وسلّم عليّ سلاما كاد ان ينخلع فيه كفي وكتفي.. فبادلناه الترحيب وجلسنا ننتظر الشاي السعودي، وبينما نحن نحتسي الشاي دخل عليه مدير مكتبه ليقول له: المتعوس بره.. قلت له الشيخ عاوزك تيجي حالا.. مكدِّبش خبر..
فجأة تحول هذا الأسد الوديع -الشيخ- والنمر الأليف إلى ديناصور متوحش.. وزلزال مدمر وقال في صوت رعدي: جول -قول بتعطيش الجيم- له يدخل ابن الـ...
ودخل الشاب، فوجدته حِرَفيا مصريا بانت عليه كل علامات الخوف والارتعاد وكأنه أصيب بالسل وفقر الدم وكل أمراض الأرض المزمنة وهو داخل على هذا الشيخ الكفيل وكأنه قامت قيامته وبدأ الحساب..
وبدأ الشيخ أمسية من السباب واللعن لهذا الشاب الذي تمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه.. وكأن لسان حاله يقول: "يا ليتني متُّ قبل هذا وكنتُ نسيا منسيا"..
أما أنا فالتفتّ للكابتن "ياسر" وإذا بي أقول له: إيه يا كابتن هو إنت جايبني عند "أبو لهب"!! إيه يا عم الرعب والفزع ده.. ما تقول له حاجة الراجل ده.. الواد هيموت.. ولكن لسوء الحظ فالكابتن "ياسر" كان يعلم جيدا أن هذا الرجل لن يتوقف إلا بعد أن يفرغ كل شحنات الغيظ من صدره وكبده..
لم تكن المشكلة سوى أن هذا الشاب ومعه حِرَفيان آخران ذهبا لإصلاح جزء من الرخام أمام باب القصر الذي يسكن فيه الشيخ وتطلعت زوجته فرأتهم لم يمسحوه بعد أن أنهوا تركيبه.. بجد ما مسحوش البلاط!! إزاي يسيبوه للخدم التانيين!!

وكتمت غيظي عن هذا الشيخ الذي استمر في سباب الشاب بقوله: إنت بتتكبر عليّ يا مصري يا عاقِر أمك.. يا خسيس يا أسود الوجه.. أنا هاسجنك ولو أمك جت لي هنا تبوس رجلي مش هتشوفك تاني!!
وهنا انتفضت أمام الرجل الذي التفت إليّ وتذكر أنني من بلد هذا الرجل.. أنا من هذا البلد التي ينعتها بكل وصف سيء، فأراد أن يبدي شيئا من الأسف لوجودي -فقط لوجودي- في هذا الموقف، فقال للشاب: اذهب وامسح الأرض واديني تمام.. حظك إن الراجل المصري الطيب ده عندي علشان كده هاعفو عنك إكراما لضيافته!!
ضيافة إيه ونيلة إيه؟! إنت خليت فيها ضيافة.. ونويت أن أعلن غضبي وأفعل ما يرضيني ويشفي صدري، غير أنني تذكرت هذا الشاب الذي سيذهب هذه المرة ضحية خلافي مع الشيخ وسيزيد من غضبه، ففضلت أن أشير لرفيقي الآخر الذي اعتذر عن عدم تمكنّنا من العشاء معه لظرف ألمّ بزوجته ولست أدري كيف فعل هذا العبقري الاتصال، ومن أين جاءه الاتصال الخارجي الذي تعلل به.. سعودي بقى!!
أما الموقف الثاني فهو إلى الطرافة أقرب، لسيدة مصرية بسيطة بمجرد أن دخلت وأبصرت باب النبي إذا بها تزعرد وتبكي وتملأ الدنيا ضجيجا وسعادة وأرادت أن ترتمي على باب مقام النبي فإذا بعساكر الأمن المركزي السعودي -كما أسميهم- الواقفين على الباب ينهرونها ويتهمونها بالخرف وكادوا يضربونها لولا أنها أرتهم منها الشر الكامن:
- أوعوا حد ييجي جنبي ولا يلمس جتتي.. لحسن والله لهروح فيه في داهية.. واقفين على باب النبي يا ولاد ال... وإنتم متعرفوش حاجة عنه.. بالذمة بقى إنت يا اللي مدِّي النبي ضهرك وواقف تزقني بقى ينفع تقف هنا إنت المفروض تقف على باب زويلة عندنا في مصر..
وبعد هذه الوصلة والناس تتدخل لتهدِّئها.. إذا بصديق لي يقول لها بالمصرية: معلش يا حاجة معلش إحنا في بلدهم لازم نسمع كلامهم برضه!!
وإذا بها تلقي بالقنبلة التي فجرتنا جميعا ضحكا كلما تذكرناها: بلدهم.. بلدهم مين ده إحنا في ملك النبي.. ونسمع كلامهم ليه؟ "هما فاكرين النبي سعودي".. إنتم فاكرين النبي بتاعكم ولاّ إيه؟!!.. ده بتاع الدنيا دي كلها..
قالتها، ثم نظرت لباب النبي وانتابتها حالة من الشجن الغريب وقالت:
عارف إنت مش مكانك هنا، والله يا حبيبي يا محمد، مكانك عندنا في مصر.. طِب تعالى كده وإنت هتشوف هنعمل إيه.. ليل نهار على بابك يا حبيبي.. وسيبك من السعودية واللي فيها.. والناس التعبانة دي.. والله دي ناس تعبانة...
وتحركت من مكانها وسط ذهول الجميع وما زالت تردد.."قال إيه فاكرين النبي سعودي..!!"

زائر

تسلم ياحبيب الروح علي الموضوع الرائع دة وربنا يوعدك بزيارة النبي صلي الله علية وسلم ويوعدني ويوعد جميع المسلمين

سلمت يداااااااااك حبيب الروح000موضوعك جميل جدااااااااااا
وربنا يكتب لنا الزيارة يا رب

والله العظيم ضحكتنى بجد وشكرا على هذا الموضوع الجميل وانشاء الله تزور حبيبك النبى والمسلمين اجمعين امين يارب العالمين