من الطرح الإنساني البشري إلى الطرح التجاري يقف المجتمع وقفة تأمل أمام ما يطرح من قضايا تتعلق بالإنسانية ، و بما آلت أليه الأمور لدى الجسم الطبي الذي تطور في الآونة الأخيرة وذلك من خلال ما يشهده العصر البشري المعاصر من تقدم وتحول لدى الاكتشافات العلمية في الجسم الطبي الذي يطال الاستشفاء ، الطبابة ، الجراحة ،زرع الأنسجة والأعضاء الآدمية ؛ وذلك بفضل تطور العقل البشري من جهة ومن جهة أخرى الثورة الطبية التقنية التي سمحت للعديد من الأمراض المزمنة والمستعطية أن يتم لها العلاج عبر كشف مسببات المرض والدواء المناسب لطبيعة الفيروس المرافق له داخل جسم المريض بشكل عام . ولعل الحياة البشرية المعاصرة تعرضت لأنواع عديدة من الأمراض التي ترافقت مع تغير نظام الإنسان الغذائي واستخدام أنماط متنوعة من الكيماويات في الإنتاج الغذائي الزراعي والصناعي؛ وتقلص الحركة لديه تبعاً لاستخدامه الوسائل التكنولوجية المتنوعة البديلة للإنسان أثناء نشاطه اليومي . مما جعله عرضة لإتلاف أعضاء جسده الداخلية ، مع تراكم الالتهابات المرضية المزمنة لديه . ويجعله عرضة لاحتياج زراعة أعضاء بديلة عن الأعضاء المريضة وإنقاذ حياته من الموت المحتم ،خاصة مع خطورة وحساسية العضو المريض لديه . ويتعرض الإنسان مؤخراً لأشكال متنوعة من الأمراض المستعصية والمزمنة بسبب الفوضى الغذائية الملوثة واكتسابه أشكال غريبة من الفيروسات السامة والخطيرة من خلال سلوكه ونشاطه اليومي ، والتي تسبب له العديد من الأمراض كالسكري ، الكولسترول ، الشحومات في الدم ، الكبد ، الكلى ، القلب ، العظم ، السرطان .........
والجدير بالذكر هنا، أنه تم الاكتشاف أنماط عديدة من العلاج المناسب لطبيعة المرض ومراحل وجوده زمنيا ً لدى المريض بفضل تطور الطب تقنيا ً وكيميائياً ، واكتشاف الاستنساخ العضوي للخلايا الآدمية . فبفضل زراعة الأعضاء تم تقليص العديد من الأمراض التي تفتك بحياة الإنسان وتسبب له الموت فيما سبق، ولعل زراعة الأعضاء البشرية شكلت ثورة في عالم الطب ، ونقطة تحول في علاج المرض وطبيعته . وقد تم العمل على نقل الأعضاء من جثة الميت إلى المريض عبر العمل الجراحي الفوري طالما هناك تطابق بين الأنسجة في نقل الأعضاء وعلاج المرض بشكل مناسب لطبيعة جسد المريض وتقبله العضو الغريب بيولوجيا ً .
إلى أي مدى هنا نجد توافق اجتماعي بين الأفراد لقبول مثل هذا السلوك في نقل الأعضاء للمريض وإنقاذ حياته ، عبر هذا العمل الجراحي ؟ وهل أن وصية الميت فيه قبوله لوهب أعضائه شرط أساسي لتنفيذ مثل هذه العمليات الجراحية وهل هذا التبرع يتم من منطلق عطف إنساني أم من منطلق تجاري بحث؟ والى أي درجة من الشروط القانونية والطبية تتم لأخذ الاحتياطات المناسبة لتنظيم مثل هذه السلوكيات لدى مجتمع أصبح أثير المادة ، وخلا من أي روحانيات الحس الإنساني الرحوم من قبل الإنسان لأخيه الإنسان.
تتفاوت انتشار ظاهرة نقل الأعضاء من مجتمع لآخر وفق شكل النظام وآلية القوانين التي تسيّر مثل هذه الإجراءات وتنظم النشاط الطبي المرافق لذا النشاط ، فقد نجد انتشار غريب لظاهرة نقل الأعضاء ضمن البلدان العربية ، وخاصة مع التشريع الديني الذي ترافق مع تشريع مثل هذه النشاطات الطبية من قبل أهل الفقه والعلم ورجال الدين ، من منطلق أنه لا ضرر من تبرع الإنسان لأخيه الإنسان بالعضو الذي ينقذ حياته طالما أن هذا العمل لا يضر بحياة الإنسان المتبرع ، أو يشكل لديه أي ضرر جسدي مستقبلا ً . وعلى ضوء ، سماح رجال الدين لدى الطائفتين " المسيحية والإسلام " للأفراد في إباحة تبرع بأعضائهم ، فقد ساهم التشريع الديني في سهولة انتشار لمثل هذه الأعمال خاصة مع توافق مبدأ التبرع ولوهب الأعضاء التي تنقذ حياة المريض . خاصة من قبل الجسد الميت إلى المريض رحمة بالحي عبر إنقاذ حياة إنسان رغبة ً بالتبرع من منطلق إنساني يكون أهل الميت لهم الموافقة في تبرع بالعضو طالما أن الميت لم يكن له أي وصية بذلك. والمفارقة هنا ، الأمور التي آلت أليه مؤخرا ً ، حيث أن ثمة انتشار لتجارة الأعضاء البشرية تبعاً للانحلال الأخلاقي ولسيطرة عامل المؤثر في دفع الإنسان السوي إلى بيع أحد أعضاء جسده بكامل قواه العقلي تحت ضغط الحاجة والفاقة والعوز .وما آلت إليه الأمور كذلك من افتتاح سوق وطرح تسعيرات معينة للأعضاء البشرية ، تصطاد الفقراء والمعوزين ، من اجل إغرائهم بالأموال التي يفتقرون أليها لتأمين حاجتهم وحاجة أفراد أسرهم . ولعل التنويه الإعلامي عبر المقابلات والدراما ، من خلال تقنيات الإعلام المرئية منها والمسموعة قد أشارت بشكل مباشر إلى الوجهة التجارية التي يتم عبرها استغلال الفقراء مادياً في سبيل شراء الأعضاء منهم ، وبيعها بأغلى الأسعار للمرضى الأغنياء .
وبسبب انتشار هذه التجارة المحرمة دوليا ً ، لا بد من مكافحتها ، وتنظيم برامج وهب الأعضاء قانونياً من قبل الدول عبر تنظيم كافة المجالات المتعلقة بنقل وزرع الأعضاء ضمن ضوابط قانونية تحمي الأفراد المتبرعين من أي استغلال مادي أو طبي لدى عديمي الضمير والأخلاق . ففي لبنان تم صدور المرسوم الاشتراعي رقم 109/ تاريخ 16/9/1983 والمسمى بأخذ الأنسجة والأعضاء البشرية لحاجات طبية وعلمية، وفي 22/2/1994 صدر القانون رقم 288 والمتعلق بالآداب الطبية . وكذلك فعل المشترع الأردني والكويتي حيث صدر في دولة الكويت عام 1983 قانون رقم 7 بشأن زرع الكلى مع الفتوى الشرعية رقم 132/1979 والفتوى رقم 87/1981 وفي العراق ومصر وسوريا والسعودية، كما تم إعداد مسودة مشروع القانون العربي الموحد لعمليات زراعة الأعضاء البشرية وذلك من خلال اجتماعات اللجنة الفنية لمجلس وزراء الصحة العرب المنعقدة في الفترة ما بين 16 - 18/12/1986 في المملكة العربية السعودية وبمدينة جدة وما تلاها من تعديل هذه القوانين مؤخرا ً لدى البلدان العربية لتوافق مع طبيعة المجتمع وتحولاته. وذلك بهدف مكافحة الاتجار بالأعضاء البشرية ، وملاحقة المجرمين الذين يستغلون البسطاء ودفعهم تحت مآرب الأغراء المالي إلى بيع أعضائهم للمرضى .ومن أبرز التنظيم القانوني لهذه الأعمال ، اخذ موافقة خطية من قبل المتبرع ومن قبل أهله ، وكذلك أإجراء الفحوصات الطبية المتكاملة للمتبرع ، بحيث يثبت للطبيب بأن لا ضرر جسدي لدى المتبرع نتيجة تبرعه بالعضو للمريض ، وغالبا ً ما يكون المتبرع من أهل المريض نفسه ، وفق الأصول القانونية ، مع العلم ، أن الذي يتم بالواقع حسب التحايل على القوانين ، حيث يتم التبرع ظاهريا ً من قبل الفرد الحي أو الميت للمريض، ولكن بالفعل الذي يتم هو بيع العضو الذي يتم دفع ثمنه للجهة المتبرعة سريا ً ، وهذه الإجراءات قليلا ص ما يتم ملاحقتها من قبل الدولة تحت شعار عدم كفاية أدلة وبراهين الاتجار بالأعضاء والذي فاق التصور من خلال وضع التسعيرة لكل عضو من الأعضاء التي يتم التبرع بها والتي تبدأ ب5 آلاف $ لتناهد ال50ألف $ حسب طبيعة المرض وطبيعة العضو المنقول للمريض.مع العلم أن طبيعة العضو يختلف بين المتبرع الحي والمتبرع الميت؛ إذا أن للحي يمكنه أن يهب عضواً (كلية واحدة، نصف كبد، نصف بنكرياس أو رئة واحدة أو النخاع العظمي ) أما الميت فيمكنه أن يهب: ( قلب، كليتين، رئتين، كبد، بنكرياس، قرنيتين، عينين، الأوعية الدموية، صمامات، جلد، نخاع عظمي، أمعاء وعظم. بعد توقف القلب والتنفس يستطيع أن يهب: قرنيتين، عينين، أوعية دموية، صمامات، جلد، أمعاء وعظام )
وعلى الصعيد الدولي تبدو أهمية هذا الموضوع واضحة ففي لاهاي عقدت جمعية زراعة الأعضاء البشرية مؤتمرها الثالث عام 1970، ولم تغفل منظمة الصحة العالمية ذلك فقد ورد في تقريرها المقدم في الدورة التاسعة والسبعين التي عقدت في 3/12/1986 توضيح للأعضاء البشرية القابلة للنقل طبياً، ولبعض الأسس الأخلاقية المتعلقة بنقل الأعضاء. وذلك لضبط الاتجار بها ، ومنع استغلال حالات الفقيرة المعدمة ، ودفعها إلى بيع الأعضاء الآدمية تحت تأثير مغريات المال والمادة ، حسب طبيعة وأهمية المريض ، مع العلم أن ثمة انتشار لشبكات من العصابات الدولية التي تعمل على سرقة الأطفال لبيع أعضائهم ، أو استغلال الراشدين في إقناعهم بالتنازل عن إحدى أعضاء جسدهم لقاء مبلغ متعارف عليه . فهل يمكنك أيها الإنسان أن تبيع أعضاء جسدك الذي تمتلكه ، تحت تأثير القدر الذي جعلك ضمن صفوف الطبقة الكادحة ، والذي شرد أبناءك لعدم توفر المال اللازم لتغطية نفقاتهم الملحة ، وفتك بهم أمام عجزك عن تأدية مستلزماتهم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟